المطر الحمضي
المطر الحمضي هو مطر أو أي نوع من الهطول يحتوي على أحماض. الأمطار الحمضية لها تأثيرات مدمرة على النباتات والحيوانات المائية. معظمها تتكون بسبب مركبات النيتروجينوالكبريت الناتجة عن الأنشطة البشرية والتي تتفاعل في الجو لتكوّن الأحماض. في السنوات الأخيرة، الكثير من الحكومات وضعت قوانين للحد من هذه المركبات المسببة للأمطار الحمضية.
مصادر المطر الحمضي
المصدران الرئيسيان للمطر الحامض هما ثاني اكسيد الكبريت (SO2) واكسيد النيتروجين (NO2).
إن هذه الغازات منتجات ثانوية لعمليات احتراق بدرجات حرارة عالية (السيارات والمصانع) والصناعات الكيماوية مثل إنتاج السماد. وتشكل العمليات الطبيعية مثل تأثير البكتيريا على التربة وحرائق الغابات والنشاط البركاني والبرق 5 في المئة من اكسيد النيتروجين المنبعث، أما المواصلات فتشكل 43 في المئة بينما تشكل عمليات الاحتراق الناجمة عن المصانع 32 في المئة.
أكسيد الكبريت
ينبعث ثاني أكسيد الكبريت (غاز عديم اللون) كمنتج ثانوي ناجم عن الوقود الاحفوري المحترق الذي يحتوي على الكبريت. وينتج هذا الغاز عن عدة عمليات صناعية مثل إنتاج الحديد والصلب والمصانع وعمليات تصنيع النفط الخام.
ويمكن أن ينبعث ثاني أكسيد الكبريت في الجو نتيجة للكوارث الطبيعية، ويشكل هذا 10% من مجموع هذا الغاز المنبعث من البراكين ورذاذ ماء البحر والعوالق (الكائنات الحية المعلقة في الماء) والنباتات المتعفنة. وعلى العموم فإن 69,4 في المئة من ثاني اكسيد الكبريت ينتج عن الاحتراق الصناعي. أما المواصلات فهي مسئولة عن 3,7 في المئة من ثاني اكسيد الكبريت المنبعث.
أكسيد النيتروجين
تتكون الأمطار الحمضية من تفاعل الغازات المحتوية على الكبريت. وأهمها ثاني أكسيد الكبريت مع الأكسجين بوجود الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس، وينتج ثالث اكسيد الكبريت الذي يتحد بعد ذلك مع بخار الماء الموجود في الجو، ليعطي حمض الكبريت.
الذي يبقى معلقا في الهواء على هيئة رذاذ دقيق تنقله الرياح من مكان لاخر، وقد يتحد مع بعض الغازات في الهواء مثل النشادر، وينتج في هذه الحالة مركب جديد هو كبريتات النشادر، اما عندما يكون الجو جافا، ولا تتوفر فرصة لسقوط الأمطار، فان رذاذ حمض الكبريت، ودقائق كبريتات النشادر يبقيان معلقين في الهواء الساكن، ويظهران على هيئة ضباب خفيف، لاسيما عندما تصبح الظروف مناسبة لسقوط الأمطار فإنهما يذوبان في ماء المطر، ويسقطان على سطح الأرض على هيئة مطر حمضي، هذا وتشترك اكاسيد النيتروجين مع اكاسيد الكبريت في تكوين الأمطار الحمضية حيث تتحول أكاسيد النيتروجين بوجود الأكسجين والأشعة فوق البنفسجية إلى حمض النيتروجين.
ويبقى هذا الحمض معلقا في الهواء الساكن، وينزل مع مياه الأمطار، مثل حمض الكبريت مكونا الأمطار الحمضية. ولابد من إبداء الملاحظتين الآتيتين في هذا المجال. الملاحظة الأولى: ان الغازات الملوثة تنتقل بواسطة التيارات الهوائية تؤكد الدراسات في إسكندنافيا ان كمية غازات الكبريت أعلى (2.0) مرة مما تطلقه مصانعها، وفي الوقت نفسه، لا تزيد كمية غازات الكبريت في اجواء بعض اقطار أوروبا الغربية، وخاصة المملكة المتحدد عن 10- 20%. وهذا يعني ان هذه الغازات الملوثة، تنتقل بواسطة التيارات الهوائية من أوروبا الغربية إلى إسكندنافيا وإنكلترا. الملاحظة الثانية: الأمطار تزداد مع الزمن، كما جاء في كتاب "التلوث مشكلة العصر" تشير الدراسات إلى ان حموضة الأمطار التي سقطت فوق السويد عام 1982 كانت أعلى بعشر مرات من حموضة الأمطار التي سقطت عام 1969، حيث لاحظ الخبراء أن نسبة حموضة مياه الأمطار زادت بشكل منذر بالخطر، أما درجة حموضة الأمطار في بريطانيا فقد وصلت إلى 4.5 في عام 1979، ووصلت في نفس العام في كندا إلى 3.8 وفرجينيا إلى 1.5، حيث كانت درجة حموضة أمطار فرجينيا تقارب درجة حموضة حمض الكبريت (أسيد البطاريات) وفي اسكتلندا، وصلت إلى 2.7 عام 1977، ووصلت في لوس أنجلس إلى 3 عام 1980. اي أكثر حموضة من الخل وعصير الليمون، ولا يقتصر التوزع الجغرافي للأمطار على البلاد الصناعية، إذ يمكن ان تنتقل الغيوم لمسافات بعيدة عن مصادر التلوث الصناعي، فتهطل أمطارا حمضية على مناطق لا علاقة لها بمصدر التلوث. ولابد من الإشارة إلى ان درجة حموضة ماء المطر النقي هي بين 5.5 - 6 اي تميل إلى الحموضة قليلا، ولم يسجل اي تأثير سلبي لهذه النسبة، حصل خلال ملايين السنين، ويمكن اعتبار ماء المطر نقيا في حدود هذه الدرجة وغير ضار بالبيئة حسب المعلومات المتوفرة.
تأثيرات المطر الحمضيإن خفض PH من 7 إلى 4 يعتبر تغييرا مهما في البيئة كما يظهر ذلك من التغييرات في الحياة الفطرية.
وهناك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة للمطر الحامض. إن الحامض يتدخل بشكل مباشر في قدرة الأسماك على امتصاص الأكسجين والأملاح والمواد المغذية اللازمة للحياة. ويعمل الحامض الموجود في الماء على تكوين المخاط في خياشيم الأسماك ويمنعها من امتصاص الأكسجين من المياه المجاورة. ومع بعض الاستثناءات القليلة فإن الأسماك الكبيرة لا تستطيع العيش في مياه يكون فيها معدل PH أقل من 4,8. وعلى أية حال فإن بيض الأسماك والأسماك الصغيرة لا تستطيع العيش عندما يكون مستوى PH أقل من 5,5.
وإذا كان التكاثر غير ممكن فإن المجموعة المفترضة من الأسماك ستنفق في النهاية حتى لو كان معدل PH ليس منخفضا بشكل كاف لقتل الأسماك الكبيرة. إن الشيء الأكثر أهمية هو أن المطر الحامض يمكن أن يلحق بنا الضرر من خلال الغلاف الجوي أو التربة التي نحصل منها على غذائنا. ويعمل المطر الحامض على انفصال المعادن السامة عن مركباتها الكيماوية الطبيعية مما يجعل هذه المعادن غير الضارة في السابق معادن خطيرة. وتطلق هذه المعادن التي أصبحت خطرة مواد سامة يمكن أن تمتصها مياه الشرب والمحاصيل والحيوانات التي يأكلها الإنسان. إن مثل هذه الأطعمة التي يتناولها الإنسان قد تسبب تلفا عصبيا عند الأطفال أو تلفا دماغيا شديدا. وهناك شك في وجود علاقة بين الألمنيوم ومرض الزهايمر.
ومن أحد المضاعفات الجانبية الخطيرة للمطر الحامض على البشر تلك المشكلات المتعلقة بالجهاز التنفسي. ان انبعاث غاز ثاني اكسيد الكبريت واكسيد النيتروجين يزيد من مخاطر المشكلات التنفسية مثل السعال الجاف والربو والصداع وأمراض العين والأنف وحساسية البلعوم.
السلبيات
وتؤدي ظاهرة المطر الحامض كذلك إلى تدهور البنايات والتماثيل إذ يتفاعل هذا المطر مع المواد المعدنية المختلفة، ويتكون المطر الحامض عندما يتحد مع أكسيد النيتروجين والكبريتيد مع الرطوبة في الغلاف الجوي ليكون أحماض الكبريتيك والنيتريك. ويمكن أن تنقل هذه الأحماض إلى مسافات بعيدة عن مكانها الأصلي.
على البيئة البحرية
إن زيادة حموضة الماء تعود إلى انتقال حمض الكبريت وحمض الأزوت (النيتروجين) إليها مع مياه السيول والأنهار بعد هطول الأمطار الحمضية. إضافة إلى ذلك فان الأمطار الحمضية تجرف معها عناصر معدنية مختلفة بعضها بشكل مركبات من الزئبق والرصاص والنحاس والالمنيوم، فتقتل الأحياء في البحيرات، ومن الجدير ذكره ان درجة حموضة ماء البحيرة الطبيعي تكون بين 5-6 فاذا قلت عن الرقم 5 ظهرت المشاكل البيئية، وكما أن ماء البحيرات يذيب بعض المركبات القاعدية القلوية الموجودة في صخور القاع أو تنتقل إليها مع مياه الأنهار والسيول، فتنطلق شوارد البيكربونات وشوارد أخرى تعدل حموضة الماء، وتحول دون انخفاض الرقم الهيدروجيني، ويعبر عن محتوى الماء من شوارد التعديل ب "سعة تعديل الحمض"، فاذا تدل الإحصائيات على ان عدد البحيرات التي كانت حموضتها أقل من 5 درجات في أميركا في النصف الأول من هذا القرن كان 8 بحيرات فقط، وأصبح الآن 109 بحيرات، كما أحصي في منطقةأونتاريو في كندا، أكثر من الفي بحيرة حموضة مياهها اقل من 5 درجات، وفي السويد أكثر من 20% من البحيرات تعاني من ارتفاع الحموضة، وبالتالي الخلل البيئي واضطراب الحياة فيها.
على الغابات والنباتات
إن تدمير الغابات له تأثير في النظام البيئي، فمن الملاحظ أن إنتاج الغابات يشكل نحو 15% في الإنتاج الكلي للمادة العضوية على سطح الأرض، ويكفي ان نتذكر ان كمية الاخشاب التي يستعملها الإنسان في العالم تزيد عن 2.4 مليار طن في السنة، كما أن غابات الحور المزروعة في واحد كم2 تطلق 1300 طن من الأكسجين، وتمتص نحو 1640 طنا من ثاني أكسيد الكربون خلال فصل النمو الواحد. كذلك تؤثر الأمطار الحمضية في النباتات الاقتصادية ذات المحاصيل الموسمية وفي الغابات الصنوبرية، فهي تجرد الأشجار من اوراقها، وتحدث خللا في التوازن الشاردي في التربة، وبالتالي تجعل الامتصاص يضطرب في الجذور، والنتيجة تؤدي لحدوث خسارة كبيرة في المحاصيل وعلى سبيل المثال: فقد بلغت نسبة الاضرار في الاوراق بصورة ملحوظة في احراجها 34% سحابة من الغيوم تنذر بوقوع الكارثة في ألمانيا في السبعينات وازدادت إلى 50% عام 1985.
وفي السويد وصلت الأضرار إلى 30% في احراجها، وتشير التقارير إلى ان 14% من جميع اراضي الاحراج الأوروبية قد اصابها الضرر نتيجة الأمطار الحمضية. إضافة إلى ان معظم الغابات في شرقي الولايات المتحدة الاميركية، تتأثر بالأمطار الحمضية، لدرجة ان اطلق عـلى هذه الحالة اسم فالدشترين وتعني موت الغابة، علما بان أكثر الأشجار تأثرا بالأمطار الحمضية هي الصنوبريات في المرتفعات الشاهقة.. نظرا لسقوط اوراقها قبل اوانها مما يفقد الاخشاب جودتها، وبذلك تؤدي إلى خسارة اقتصادية في تدمير الغابات وتدهورها. وتبدو الأمطار الحمضية كملوث خطير، له تأثيرات سلبية على العديد من مكونات النظام البيئي البري، فهي تؤثر أولاً على الغطاء النباتي، فتقضي عليه، إما بتفاعل المطر الحمضي مع أوراق النبات حيث يعمل على تآكلها وتلفها وسقوطها، وإما عن طريق تحميض التربة ومهاجمة جذور النبات، والقضاء على الكائنات الحية الدقيقة والإخلال بنسب غذاء النبات، فيتعثر نمو النبات ويجف في النهاية.[1]
على التربة
تبين التقارير ان التربة في مناطق أوروبا، اخذت تتأثر بالحموضة، مما يؤدي إلى اضرار بالغة من انخفاض نشاط البكتيريا المثبتة للنيتروجين مثلا. وانخفاض معدل تفكك الاداة العضوية، مما أدى إلى سماكة طبقة البقايا النباتية إلى الحد الذي أصبحت فيه تعوق نفاذ الماء إلى داخل التربة وإلى عدم تمكن البذور من الانبات، وقد ادت هذه التأثيرات إلى انخفاض إنتاجية الغابات. وتؤثر أيضاً على التربة، حيث يوجد العديد من المعادن السامة فيها، وإضافة إلى المواد الحمضية التي تحتويها، ويعمل الحمض على تلف الكائنات الدقيقة التي تعيش في التربة واللازمة لتحلل الأجسام العضوية إلى مواد غذائية صالحة للنبات.
على الحيوانات
تتوقف سلامة كل مكون من مكونات النظام البيئي على سلامة المكونات الأخرى، دخان المصانع السبب الرئيسي فمثلا تأثر النباتات بالأمطار الحمضية يحرم القوارض من المادة الغذائية والمأوى، ويؤدي إلى موتها أو هجرتها، كما تموت الحيوانات اللاحمة التي تتغذى على القوارض أو تهاجر أيضا وهكذا.. وقد يلاحظ التأثير المباشر للأمطار الحمضية في الحيوانات. كما لوحظ موت القشريات والأسماك الصغيرة في البحيرات المتحمضة، نظرا لتشكل مركبات سامة بتأثير الحموض (الأمطار الحمضية)، تدخل في نسيج النباتات والبلانكتون- العوالق النباتية- (نباتات وحيدة الخلية عائمة).. وعندما تتناولها القشريات والأسماك الصغيرة، تتركز المركبات السامة في انسجتها بنسبة أكبر. وهكذا تتركز المواد السامة في المستهلكات الثانوية والثالثية حتى تصبح قاتلة في السلسلة الغذائية.. ولابد من الإشارة إلى ان النظام البيئي لا يستقيم إذ ا حدث خلل في عناصره المنتجة أو المستهلكة أو المفككة وبالنتيجة يؤدي موت الغابات إلى موت الكثير من الحيوانات الصغيرة، وهجرة الكبيرة منها، فهي أيضاً تضر بالطيور، حيث تساعد على نقص تمثيل الكالسيوم لديها، مما يؤثر على عظامها ومتانة بيضها، كما تضطرها إلى مغادرة المناطق الملوثة، كما تقتل العديد من الحيوانات التي تتغذى على الأوراق والنباتات التي تعالج بها.
على الإنسان
يتشكل الضباب الدخاني في المدن الكبيرة، وهو يحتوي على حموض، حيث يبقى معلقا في الجو عدة أيام، وذلك عندما تتعرض الملوثات الناتجة عن وسائل النقل بصورة فادحة إلى الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس، فيحدث بين مكوناتها تفاعلات كيميائية، تؤدي إلى تكوين الضباب الدخاني الذي يخيم على المدن وخاصة في ساعات الصباح الأولى، والأخطر في ذلك، هو غازي ثاني أكسيد النيتروجين، لأنه يشكل المفتاح الذي يدخل في سلسلة التفاعلات الكيميائية الضوئية التي ينتج عنها الضباب الدخاني وبالتالي نكون أمام مركبات عديدة لها تأثيرات ضارة على الإنسان إذ تسبب احتقان الأغشية المخاطية وتهيجها والسعال والاختناق وتلف الأنسجة وانخفاض معدل التمثيل الضوئي في النبات الأخضر. وكل هذا ينتج عن حدوث ظاهرة الانقلاب الحراري، كما حدث في مدينة لندن عام 1952 عندما خيم الضباب الدخاني لمدة ثلاثة أيام، مات بسببه 4000 شخص، وكذلك ما حدث في أنقرة وأثينا.
هذا فضلاً عن التأثيرات الخطيرة للأمطار الحمضية على الصحة الإنسانية حينما يتناول الإنسان الخضراوات والأسماك التي تركزت واختزنت فيها المركبات الحمضية. كما لا يخفى أثر الأمطار الحمضية على الأحياء البحرية في البحيرات والأنهار، فقد أدت إلى فناء الأسماك، والبكتريا المحللة، وعملت على تزايد نمو الطحالب والفطريات وبعض النباتات المقاومة للحموضة، مما يجعل البحيرة تنطمر وتتحول إلى موات، نشير هنا إلى أن أكثر الدول معاناة من ظاهرة الأمطار الحمضية، هي الدول الإسكندنافية، حيث تأتيها الرياح من جنوب أوروبا، وكذلك كندا، وتأتيها الرياح من شمال الولايات المتحدة وشرقها، محملة بالملوثات المنبعثة من المصانع ومحطات توليد الطاقة والسيارات، والتي يتكون منها المطر الحامضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق